لا صَلاةَ بحَضرةِ الطَّعامِ، ولا هو يُدافِعُه الأخبثانِ ما معنى هذا الحديث الشريف
السؤال
هناك حديث ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم : لا صلاة في حضرة طعام. ما درجة صحة هذا الحديث؟ وهل يعني أنه اذا نودي للصلاة و الرجل جالس يتغذى أو يتعشى فلا يتوقف عن الأكل ويصلي بعد الانتهاء منه، حتى وإن تأخر؟ أرجو تفسير هذا الحديث؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا صلاة بحضرة الطعام، ولا هو يدافعه الأخبثان. رواه مسلم وغيره. الأخبثان: البول والغائط.
وقال عليه الصلاة والسلام: إذا وضع عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء ولا يعجل حتى يفرغ منه. متفق عليه.
ففي هذين الحديثين الصحيحين دليل على كراهة صلاة الإنسان بحضرة طعام تتوق نفسه إليه؛ لما يسببه من فوات الخشوع في الصلاة، الذي هو من أهم مقاصد الصلاة، بل يستحب له أن يبدأ يالأكل، ويأكل حاجته من الطعام بكمالها، حتى وإن نودي للصلاة وفاتته الجماعة.
قال النووي في شرحه على صحيح مسلم: في هذه الأحاديث كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله لما فيه من اشتغال القلب به وذهاب كمال الخشوع، وكراهتها مع مدافعة الأخبثين وهما البول والغائط، ويلحق بهذا ما كان في معناه مما يشغل القلب ويذهب كمال الخشوع.
وهذه الكراهة عند جمهور أصحابنا وغيرهم إذا صلى كذلك وفي الوقت سعة، فإذا ضاق بحيث لو أكل أو تطهر خرج وقت الصلاة صلى على حاله محافظة على حرمة الوقت ولا يجوز تأخيرها. وحكى أبو سعد المتولي من أصحابنا وجها لبعض أصحابنا أنه لا يصلي بحاله بل يأكل ويتوضأ وإن خرج الوقت لأن مقصود الصلاة الخشوع فلا يفوته، وإذا صلى على حاله وفي الوقت سعة فقد ارتكب المكروه وصلاته صحيحة عندنا وعند الجمهور لكن يستحب إعادتها ولا يجب. ونقل القاضي عياض عن أهل الظاهر أنها باطلة.
وقوله صلى الله عليه وسلم: ولا يعجلن حتى يفرغ منه. دليل على أنه يأكل حاجته من الأكل بكماله. وهذا هو الصواب. وأما ما تأوله بعض أصحابنا على أنه يأكل لقما يكسر بها شدة الجوع فليس بصحيح، وهذا الحديث صريح في إبطاله. انتهـى بتصرف.
وقال المناوي في فيض القدير: وفيه تقديم فضيلة حضور القلب على فضيلة أول الوقت.
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين في شرحه للحديث: يعني إذا قدم الطعام للإنسان وهو يشتهيه فإنه لا يصلي حتى يقضي حاجته منه، حتى ولو سمع الناس يصلون في المسجد فله أن يبقى ويأكل حتى يشبع، فقد كان ابن عمر رضي الله عنهما يسمع قراءة الإمام يصلي وهو يتعشى ولا يقوم حتى يفرغ، وذلك لأن الإنسان إذا دخل في الصلاة وهو مشغول القلب فإنه لا يطمئن في صلاته ولا يخشع فيها، يكون قلبه عند طعامه، والإنسان ينبغي له أن يصلي وقد فرغ من كل شيء: فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب. ولكنه لا ينبغي أن يجعل ذلك عادة له بحيث لا يقدم عشاءه أو غداءه إلا عند إقامة الصلاة. شرح رياض الصالحين.
وانظر الفتوى رقم: 56446.
والله أعلم.