الصالحة لا تقتصر على الإعانة والمساعدة ، بل الأهم أنها تثبت على الخير والتقوى ، فإن الشيطان من الإثنين أبعد .
يقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (6/53) :
" وترجم له ابن خزيمة : " النهي عن سفر الاثنين وأن ما دون الثلاثة عصاة " ؛ لأن معنى قوله ( شيطان ) أي : عاص . وقال الطبري : " هذا الزجر زجر أدب وإرشاد لما يخشى على الواحد من الۏحشة والوحدة ، وليس بحرام ، فالسائر وحده في فلاة وكذا البائت في بيت وحده لا يأمن من الاستيحاش ، لا سيما إذا كان ذا فكرة رديئة وقلب ضعيف .
والحق أن الناس يتباينون في ذلك ، فيحتمل أن يكون الزجر عن ذلك وَقَعَ لحسم المادة ، فلا يتناول ما إذا وقعت الحاجة لذلك ، وقيل في تفسير قوله : ( الراكب شيطان ) أي سفره وحده يحمله عليه الشيطان ، أو أشبه الشيطان في فعله ، وقيل إنما كره ذلك لأن الواحد لو ماټ في سفره ذلك لم يجد من يقوم عليه ، وكذلك الاثنان إذا ماټا أو أحدهما لم يجد من يعينه ، بخلاف الثلاثة ، ففي الغالب تؤمن تلك الخشية " انتهى .
الآهلة ، والتي يأمن فيها المرء ألا تنقطع به السبيل ، ولا يعدم معينا ولا أنيسا ، فلا يرد الكراهة ولا النهي عنه ، ومثله السفر في أيامنا هذه في الطائرات أو السفن أو الحافلات ، لأن من فيها كلها يعتبرون رفقة ، فلم يتحقق وصف الوحدة المنهي عنه .
يقول الشيخ ابن عثيمين في "فتاوى نور على الدرب" (متفرقات/الآداب) :
" وهذا يدل على الحذر من سفر الإنسان وحده ، ولكن هذا في الأسفار الذي لا يكون طريقها مسلوكاً بكثرة ، وأما الأسفار الذي يكون طريقها مسلوكاً بكثرة وكأنك في وسط البلد ، مثل طريق القصيم الرياض ، أو الرياض الدمام وما أشبه ذلك من الطرق التي يكثر فيها السالكون ، ومثل طريق الحجاز في أيام المواسم ، فإن هذا لا يعد انفراداً في الحقيقة ؛ لأن الناس يمرون به كثيراً ، فهو منفرد في سيارته وليس منفرداً في السفر ، بل الناس حوله ووراءه وأمامه في كل لحظة " انتهى .
ويقول الشيخ الألباني في تعليقه على هذا الحديث "الصحيحة" (62) :
" ولعل الحديث أراد السفر في الصحارى والفلوات التي قلما يرى المسافر فيها أحدا من الناس ، فلا يدخل فيها السفر اليوم في الطرق المعبدة الكثيرة المواصلات . والله أعلم " انتهى .
والله أعلم