هل تارك الصلاة كافر
هل تارك الصلاة كافر
" ذَلِكَ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ ؛ فَإِنَّا لا نعلَمُ فِي عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ أَحَدًا مِنْ تَارِكِي الصَّلَاةِ تُرِكَ تَغْسِيلُهُ , وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ , وَدَفْ@نُهُ فِي مَقَ2ابِر الْمُسْلِمِينَ , وَلَا مُنِعَ وَرَثَتُهُ مِيرَاثَهُ , وَلَا مُنِعَ هُوَ مِيرَاثَ مُوَرِّثِهِ , وَلَا فُرِّقَ بَيْنَ زَوْجَيْنِ لِتَرْكِ الصَّلَاةِ مِنْ أَحَدِهِمَا ; مَعَ كَثْرَةِ تَارِكِي الصَّلَاةِ , وَلَوْ كَانَ كَافِرًا لَثَبَتَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ كُلُّهَا , وَلَا نَعْلَمُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ خِلَافًا فِي أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا , وَلَوْ كَانَ مُرْتَدًّا لَمْ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ ، وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ في تَكفِيره فَهِيَ عَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيظِ , وَالتَّشْبِيهِ لَهُ بِالْكُفَّارِ , لَا عَلَى الْحَقِيقَةِ , كَقَوْلِهِ عليه السلام : ( سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ , وَقِتَالُهُ كُفْرٌ ) ، وَقَوْلِهِ ( شَارِبُ الْخَمْرِ كَعَابِدِ وَثَنٍ ) وَأَشْبَاهِ هَذَا مِمَّا أُرِيدَ بِهِ التَّشْدِيدُ فِي الْوَعِيدِ ".
ومثل هذا يكون محل اجتهاد من الفريقين ؛ فالأولون رأوا أن قول عبد الله بن شقيق المتقدم ظاهر في إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة ، ومن ثَمّ حكوه إجماعا .
والآخرون رأوا أن في فعل المسلمين في كل عصر : من تغسيل تارك الصلاة والصلاة عليه ودفنه في مق@ابر المسلمين ونحو ذلك ، دليلا على إجماع المسلمين على القول بعدم كفره .
ورأوا أن الأحاديث التي تدل بظاهرها على كفره إنما يراد بها التغليظ والتشديد في الوعيد ، ومن ذلك قول عبد الله بن شقيق .
والمسألة خلافية ، فكما يختلفون في النصوص وفهمها ، فكذلك اختلفوا فيما يكون ظاهره حكاية الإجماع ، فكما لا يقال : إذا كان هؤلاء يحتجون بالنصوص الشرعية
فكيف خفيت على أولئك تلك النصوص ؟ لأنه يقال : إنها لم تخف عليهم ، ولكنهم اجتهدوا في فهمها وما تؤدي إليه من الحكم ، فكذا في مسألة الإجماع ، فالقائلون بعدم كفر تارك الصلاة لا ينكرون هذه الأحاديث ، ولا ينكرون قول ابن شقيق المتقدم ، ولكنهم يرون أن هذه النصوص وإن أطلقت لفظ الكفر على تارك الصلاة ؛ إلا أنها لا تدل على كفره الكفر المخرج عن الملة ، ولذلك كانت هذه المسألة من الخلاف السائغ .
فالفريق الأول حكى الإجماع بالنظر إلى ظاهر النصوص ، والتي لا يخالف في تصحيحها أحد ، وبقول ابن شقيق ، وإسحاق بن راهويه ، ونحو ذلك .
والفريق الثاني حكى الإجماع بما رآه من عمل الأمة في كل عصر ومصر .
فحكاية الإجماع من الفريقين محل نظر واجتهاد ، ولو ثبت إجماع كل فريق عند الفريق الآخر، ورآه إجماعا منضبطا محفوظا ، لم يخالفه إن شاء الله ، وإنما الشأن في أن يسلم ثبوت ذلك الإجماع .
والله تعالى أعلم .