من هو النبي الذي قط-عت راسه وهو ساجد؟
وقال سفيان بن عيينة: " أوحش ما يكون الخلق في ثلاثة مواطن: يوم يولد، فيرى نفسه خارجا مما كان فيه، ويوم يم-وت فيرى قوما لم يكن عاينهم، ويوم يبعث، فيرى نفسه في محشر عظيم.
قال: فأكرم الله فيها يحيى بن زكريا فخصه بالسلام عليه، فقال: (وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا) " رواه ابن جرير ... " انتهى. "تفسير ابن كثير" (5 / 217).
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
" فجمع – أي يحيى عليه السلام - بين القيام بحق الله، وحق خلقه، ولهذا حصلت له السلامة من الله، في جميع أحواله، مبادئها وعواقبها، فلهذا قال: (وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ) وذلك يقتضي سلامته من الشيطان، والشر، والعقاب في هذه الأحوال الثلاثة وما بينها، وأنه سالم من النار والأهوال، ومن أهل دار السلام، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى والده وعلى سائر المرسلين، وجعلنا من أتباعهم، إنه جواد كريم " انتهى. "تفسير السعدي" (ص 490).
فالحاصل؛ أن السلامة هنا تتعلق بأمر الدين والمآل في الآخرة، فلا يتعارض هذا مع ما أصاب يحيى عليه السلام من القت.ل؛ لأنه سلم من الفتنة عند القت.ل، ونال به درجة الشهادة التي يسلم بها من فتن وأهوال الآخرة.
عَنْ المِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ:
يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَيَأْمَنُ مِنَ الفَزَعِ الأَكْبَرِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الوَقَارِ، اليَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الحُورِ العِينِ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ رواه الترمذي (1663)، وقال: " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ ".
ويتأيد هذا بأن لفظ: ( سَلامٌ ) لم يقترن بـ ( الـ ) التي تدل على العموم والاستغراق، فليس مستغرقا لمص-ائب الدنيا، فهو عليه السلام قد وعد بسلام عند الولادة: ( وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ )، ولم يسلم عليه السلام من طعن الشي-طان عند الولادة.
عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: مَا مِنْ بَنِي آدَمَ مَوْلُودٌ إِلَّا يَمَسُّهُ الشَّيْطَانُ حِينَ يُولَدُ، فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِنْ مَسِّ الشَّيْطَانِ، غَيْرَ مَرْيَمَ وَابْنِهَا ، ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مريم/36.
رواه البخاري (3431) ومسلم (2366).
فتكون السلامة التي وعد بها يحيى عليه السلام هي التي تتعلق بأمر دينه وآخرته.
والله أعلم.