وجاء من اقصى المدينة رجل يسعى
قلت : إنما كان يكفي ملك واحد ، فقد أهلكت مدائن قوم لوط بريشة من جناح جبريل ، وبلاد ثمود وقوم صالح بصيحة ، ولكن الله فضل محمدا - صلى الله عليه وسلم - بكل شيء على سائر الأنبياء وأولي العزم من الرسل ، فضلا عن حبيب النجار ، وأولاه من أسباب الكرامة والإعزاز ما لم يوله أحدا ، فمن ذلك أنه أنزل له جنودا من السماء ، وكأنه أشار بقوله : وما أنزلنا . وما كنا منزلين إلى أن إنزال الجنود من عظائم الأمور التي لا يؤهل لها إلا مثلك ، وما كنا نفعل لغيرك .
وقرأ أبو جعفر بن القعقاع وشيبة والأعرج : " صيحة " بالرفع هنا ، وفي قوله : إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع جعلوا الكون بمعنى الوقوع والحدوث ، فكأنه قال : ما وقعت عليهم إلا صيحة واحدة . وأنكر هذه القراءة أبو حاتم وكثير من النحويين بسبب التأنيث ، فهو ضعيف ، كما تكون : ما قامت إلا هند ، ضعيفا ، من حيث كان المعنى : ما قام أحد إلا هند . قال أبو حاتم : فلو
كان كما قرأ أبو جعفر لقال : إن كان إلا صيحة . قال النحاس : لا يمتنع شيء من هذا ، يقال : ما جاءتني إلا جاريتك ، بمعنى ما جاءتني امرأة أو جارية إلا جاريتك . والتقدير في القراءة بالرفع ما قاله أبو إسحاق ، قال : المعنى إن كانت عليهم صيحة إلا صيحة واحدة ، وقدره غيره : ما وقع عليهم إلا صيحة واحدة . وكان بمعنى وقع كثير في كلام العرب . وقرأ عبد الرحمن بن الأسود - ويقال إنه في حرف عبد الله كذلك - " إن كانت إلا زقية واحدة " . وهذا مخالف للمصحف . وأيضا فإن اللغة المعروفة زقا يزقو إذا صاح ، ومنه المثل : أثقل من الزواقي ، فكان يجب على هذا أن يكون زقوة . ذكره النحاس .
قلت : وعلى هذا يقال : زقوة وزقية لغتان ، فالقراءة صحيحة لا اعتراض عليها . والله أعلم . فإذا هم خامدون : أي ميــ،تون هامدون ، تشبيها بالرماد الخامد . وقال قتادة : هلكى . والمعنى واحد .
والله أعلم