ما معنى قول الله تعالى الز .انى لا ينك ,ح ألا ز .انية
وهذه الأدلّة التي ذكرنا هي حجج القائلين بمنع تزويج الزا ,ني العفيفة كعكسه ، وإذا عرفت أقوال أهل العلم ، وأدلّتهم في مسألة نك .اح الزا ,نية وال .زان .ي ، فهذه مناقشة أدلّتهم :
أمّا قول ابن القيم : إن حمل الزنا في الآية على الو .طء ينبغي أن يصان عن مثله كتاب اللَّه ، فيردّه أن ابن عباس وهو في المعرفة باللغة العربية وبمعاني القرءان صحّ عنه حمل الز ,نى في الآية على الو .طء ، ولو كان ذلك ينبغي أن يصان عن مثله كتاب اللَّه لصانه عنه ابن عباس ، ولم يقل به ولم يخف عليه أنه ينبغي أن يصان عن مثله .
وقال ابن العربي في تفسير ابن عباس لل ,زنى في الآية بالوطء : هو معنى صحيح . انتهى منه بواسطة نقل القرطبي عنه .
وأمّا قول سعيد بن المسيّب والشافعي ، بأن آية : ( الزَّا ,نِى لاَ يَن ,كِحُ إِلاَّ زَا ,نِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً )، منسوخة بقوله : ( وَأَنْكِحُ ,واْ الايَامَى مِنْكُمْ ) فهو مستبعد ؛ لأن المقرّر في أصول الشافعي ومالك وأحمد هو أنه لا يصحّ نسخ الخاص بالعام ، وأن الخاص يقضى على العام مطلقًا ، سواء تقدم نزوله عنه أو تأخّر ، ومعلوم أن آية ( وَأَنْكِ ,حُواْ الأيَامَى مِنْكُمْ ) أعمّ مطلقًا من آية : ( الزَّ ,انِى لاَ يَنكِ ,حُ إِلاَّ زَ .انِيَةً ) فالقول بنسخها لها ممنوع على المقرّر في أصول الأئمة الثلاثة المذكورين ، وإنما يجوز ذلك على المقرّر في أصول أبي حنيفة رحمه اللَّه ، كما قدمنا إيضاحه في سورة ( الأنعام ) ، وقد يجاب عن قول سعيد ، والشافعي بالنسخ بأنهما فهماه من قرينة في الآية ، وهي أنه لم يقيد الأيامى الأحرار بالصلاح ، وإنما قيّد بالصلاح في أيامى العبيد والإماء ، ولذا قال بعد الآية : ( وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ )
قال مقيّده عفا اللَّه عنه وغفر له :
هذه الآية الكريمة من أصعب الآيات تحقيقًا ؛ لأن حمل النكاح فيها على التزويج ، لا يلائم ذكر المشركة والمشرك ، وحمل النك .اح فيها على الوطء لا يلائم الأحاديث الواردة المتعلّقة بالآية ، فإنها تعين أن المراد بالنكاح في الآية : التزويج .
ولا أعلم مخرجًا واضحًا من الإشكال في هذه الآية إلا مع بعض تعسّف ، وهو أن أصحّ الأقوال عند الأصوليين - كما حرّره أبو العباس بن تيمية في رسالته في علوم القرءان ، وعزاه لأجلاّء علماء المذاهب الأربعة - هو جواز حمل المشترك على معنييه ، أو معانيه ، فيجوز أن تقول : عدا اللصوص البارحة على عين زيد ، وتعني بذلك أنهم عوّروا عينه الباصرة وغوّروا عينه الجارية ، وسرقوا عينه التي هي ذهبه أو فضّته .
وإذا علمت ذلك ، فاعلم أن النكاح مشترك بين الو , طء والتزويج ، خلافًا لمن زعم أنه حقيقة في أحدهما ، مجاز في الآخر ، كما أشرنا له سابقًا ، وإذا جاز حمل المشترك على معنييه ، فيحمل النكا .ح في الآية على الو .طء ، وعلى التزويج معًا ، ويكون ذكر المشركة والمشرك على تفسير النك .اح بالو ,ط ء دون العقد ، وهذا هو نوع التعسّ .,ف الذي أشرنا له ، والعلم عند اللَّه تعالى.
وأكثر أهل العلم على إباحة تزويج الزانية والمانعون لذلك أقلّ ، وقد عرفت أدلّة الجميع .
واعلم أن الذين قالوا بجواز نكاح العفيف الزانية ، لا يلزم من قولهم أن يكون زوج الزانية العفيف ديوثًا ؛ لأنه إنما يتزوّجها ليحفظها ، ويحرسها ، ويمنعها من ارتكاب ما لا ينبغي منعًا باتًّا بأن يراقبها دائمًا ، وإذا خرج ترك الأبواب مقفلة دونها ، وأوصى بها من يحرسها بعده فهو يستمتع بها ، مع شدّة الغيرة والمحافظة عليها من الريبة ، وإن جرى منها شىء لا علم له به مع اجتهاده في صيانتها وحفظها فلا شىء عليه فيه ، ولا يكون به ديوثًا ، كما هو معلوم .
والأظهر لنا في هذ المسألة أن المسلم لا ينبغي له أن يتزوّج إلا عفيفة صينة ، للآيات التي ذكرنا والأحاديث ويؤيّده حديث : ( فاظفر بذات الدين تربت بداك ) ، والعلم عند اللَّه تعالى " انتهى كلام الشيخ الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى .
والله أعلم .